< للرجوع

مقابلة صحيفة دي فيلت مع سعادة السفيرة حفصة العلماء





يجب أن نتصدى لكل من ينشر الكراهية

 

أجرى المقابلة: دانيل ديلان بومر

 

دي فيلت: من المعروف إن هناك تقارب بين دولة الإمارات وإسرائيل، رغم ذلك تفاجأ كثيرون بإبرام معاهدة السلام بهذه السرعة. فلماذا الآن؟

حفصة العلماء: إن موضوع التسامح مهم جداً بالنسبة لنا، بل إننا أعلنا العام الماضي عاماً للتسامح، وزار فيه البابا فرنسيس بلدنا وأقام قداساً علنياً حضره أكثر من 200 ألف مصلي. الإمارات تريد بناء الجسور، وهذا أمر يتطلب الاعتراف بالآخر. هناك اضطراب كبير في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الاضطراب لا يمكن مواجهته إلا بتضافر قوى الأطراف المؤثرة. وقد رأينا من جهتنا إن الوقت مناسب لإعطاء إشارة إيجابية وأردنا أن نبرهن على إن التقدم والتطور ممكن جداً في هذا الإقليم من العالم.

 

دي فيلت: لكن هناك انطباع بأن العالم العربي تسوده كراهية حقيقية تجاه إسرائيل.

الانطباع الخارجي قد يكون أحياناً خادعاً، فالشعوب في الدول العربية تتوق أيضاً إلى الاستقرار وانتهاء العنف والأمل في مستقبل أفضل. هناك بعض القوى التي توقد الكراهية لأنها ستفقد أساس وجودها إن اختفت العداوة والكراهية. بالطبع هناك شعور لدى البعض في العالم العربي بأن التاريخ ليس منصف دائماً، ولكن ماذا سنستفيد إن تشبتنا بالماضي للأبد؟ لقد عرفت أوروبا قدر الاستفادة الكبير التي تعود على الجميع إن استطاعوا تجاوز خلافاتهم القديمة. يجب أن نتحلى ببعد النظر ونتجاوز الضوضاء وسياسات اليوم بيومه، ولدينا القدرة على ذلك. أنا أؤمن بحكمة الصحراء، فلقد أتى أنبياء الديانات السماوية جميعهم من الصحراء.  

 

أليس لاتفاق السلام أيضاً بعد مشترك تجاه العداء مع إيران؟

إيران لم تكن السبب في اتفاق السلام. لكن من الصحيح إن إيران أحد عوامل زعزعة الإقليم، فهي تدعم الميليشيات في العديد من دول الشرق الأوسط، ولا يخفى إن هدف الحرس الثوري الإيراني هو تصدير الثورة الإيرانية. ويمكن القول إننا نريد أيضاً من خلال اتفاق السلام وقف هذا الاضطراب. كما إن علينا أن نحل الخلافات الموجودة في المنطقة بالتفاوض والتعاون، والتصدي لكل القوى التي تعمل على نشر الكراهية والتطرف.

 

كثير من الفلسطينيين يشعرون بالتخلي عنهم، كما إن الإمارات استبعدت السلام مع إسرائيل في مبادرة السلام العربية عام 2002  طالما لم تنشأ دولة فلسطينية.

إننا لم نتخلى مطلقاً عن الفلسطينيين، بل إننا من أهم داعميهم سياسياً واقتصادياً، كما إننا لا نزال نساند مطالب جامعة الدول العربية، ولا نزال نطالب بتطبيق قرارات الأمم المتحدة، ولا نزال نطالب بحل الدولتين. لكننا نرى الآن إن الحوار هو أفضل طريق إلى السلام، ولن يأتي السلام بإنكار وجود الآخر. هذا الأسلوب لم يثبت نجاحاً. وفي ظل المعطيات الجديدة سيكون بوسعنا مساعدة الفلسطينيين بشكل أفضل، ولقد استطعنا الأن على الأقل التوصل إلى وقف الحكومة الإسرائيلية خططها لضم الضفة الغربية، وفضلاً عن ذلك كله، فنحن دولة ذات سيادة على قراراتها، وهذا قرار برغماتي ويفتح أمامنا فرصاً ضخمة. 

 

ألا وهي؟

إسرائيل معروفة بقدراتها الإبداعية والتكنولوجية وتطورها في المجالات الزراعية، حيث استطاعت تحويل الصحراء فيها إلى منطقة خضراء، وهذا أمر يمكن للمنطقة بأسرها الاستفادة منه. وأتمنى أن تحذو دول عربية أخرى حذونا حتى يبدأ فصل جديد في هذا الجزء من العالم، فصل لا تسوده الحروب والعداوات، وإنما الاندماج والابتكار. إن 60 بالمائة من سكان العالم العربي شباب لا تتجاوز أعمارهم 35 عاماً، هؤلاء الشباب ضاقوا ذرعاً بالنزاعات في المنطقة، ويطمحون في مستقبل أفضل حتى بعد أن ينتهي النفط. لقد قال ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد ذات مرة: "لا أريد أن أنعى اليوم الذي يستخرج فيه آخر برميل نفط، أود أن أحتفل بهذا اليوم." هذه هي الطريقة التي نفكر بها، ولهذا فنحن بحاجة إلى الابتكار.  

 

عندما تذكر دبي وأبوظبي فإن الناس يفكرون تلقائياً في ناطحات السحاب ذات الواجهات الزجاجية. كيف كان الوضع أثناء طفولتك؟

إن التغير الذي حدث في الإمارات لا يصدقه عقل. عندما كنت صغيرة لم يكن هناك كهرباء، كنا نعيش في وسط الصحراء، وكان الطعام قليلاً، وكان هناك رجلا يحضر إلينا ماء الشرب مرة كل عدة أيام ينقله على ظهر حماره. لم تكن هناك أجهزة تبريد الهواء، وكان بيتنا مزود ببرج ينقل الهواء البارد إلى داخل البيت. لكن مؤسس الدولة الشيخ زايد رحمه الله حرص على توفير التعليم للجميع، فعندما كنا نذهب إلى المدرسة كانت عماتنا وخالاتنا تركب معنا حافلة المدرسة، وتتعلم القراءة والكتابة في المدرسة نفسها التي نتعلم فيها. آنذاك بدأت مرحلة استخراج النفط وأسس الشيخ زايد جهاز أبوظبي للاستثمار (أديا)، حيث ادخر الصندوق دولاراً واحداً لكل دولار يتم إنفاقه. وكان هذا هو أساس رخاء الدولة.    

 

لديك سجلك الوظيفي في العمل الدبلوماسي، وأسستِ شركة مالية خاصة بك، ألا يزال هذا كله أمراً صعباً للنساء في منطقتك؟

لنأخذ مثلاً الشيخ زايد الذي كان رئيساً لقبيلته، لكنه كان على قناعة بأن التقدم لن يحدث دون أن يشارك فيه نصف المجتمع. لقد استطاع سلوك الدولة فعلاً أن يفعل الكثير. إن 50 بالمائة من أعضاء مجلس النواب لدينا من النساء، كما إن المرأة تعمل الآن كشرطية، وقائدة طائرة، ومديرة، بل إن امرأة هي من ترأس وكالة الفضاء الإماراتية. بالطبع هناك رجال في العالم العربي يعارضون التقدم، لكن الأمثلة المعاكسة هي أفضل وسيلة للتعامل معهم.  

 

الإمارات دولة ذات ثقة قوية بنفسها في سياستها الخارجية. لكن هل تدعم الإمارات الاستقرار بمساندتها المشير خليفة حفتر في ليبيا في حربه ضد حكومة السراج المعترف بها دولياً؟

أجل، نحن ندعم الاستقرار في ليبيا، وكان لنا دور نشط في عملية التفاوض التي جرت في برلين التي نظمتها الحكومة الألمانية في يناير هذا العام، كما إننا ندعم بقوة وقف إطلاق النار التي اتفقت عليها أطراف الصراع في ليبيا، لكن مع الأسف هناك قوى تدخل في الشأن الليبي مثل تركيا التي ترسل مرتزقة من سوريا إلى القتال في ليبيا. 

 

لكن حكومة السراج التي تدعمها تركيا كانت أطراف الصراع قد توافقت عليها بوساطة الأمم المتحدة، ومع كامل الاحترام، فالإمارات أرسلت السلاح والمال إلى حفتر قبل أن تتدخل تركيا.

المشكلة الآن أن حكومة السراج صارت تضم عناصر متطرفة وأصولية يمكنها أن تهدد أمن المنطقة بأسرها، فليبيا لديهم حدود مشتركة مع مصر، الدولة التي يبلغ تعداد سكانها 100 مليون نسمة.

 

تقصدين الأخوان المسلمين الذين قد يكون لهم نفوذ في حكومة السراج.

بالضبط، هذه الإيديولوجية المتطرفة تنشر بذور الفوضى والعنف في منطقة الشرق الأوسط كلها. وأدركت مصر والإمارات ضرورة التعامل مع هذا التهديد الإرهابي، وقامتا بتصنيف جماعة الأخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، لأن إيديولوجية الأخوان المسلمين تتميز بالإقصاء وتتعارض مع كل ما نناشد به: التعايش والانفتاح والاعتدال.

 

البعض في أوروبا يعتبر الأخوان المسلمين مسلمين محافظين يتنافسون على السلطة تنافساً ديمقراطياً.

ربما يبدو الأمر هكذا، لكننا في منطقة الشرق الأوسط نعلم حجم الضرر الذي يمكن أن تسببه مثل هذه الجماعات، فهذه ليست مجرد حزب عادي، إنها جماعة تضع أساساً للتطرف. بل إن إيديولوجية داعش أساسها أفكار الأخوان المسلمين الموجودة في أدبياتهم المكتوبة، إنه مبدأ اعتبار كل مخالف في الرأي عدو يجب محاربته. هذه أفكار تحدد سلوكهم كله حتى ولو بدو من الخارج معتدلين ومستعدين للحوار.

 

هل ترين ضرورة زيادة الدور الألماني في الشرق الأوسط؟

بالتأكيد، ألمانيا وأوروبا ككيان متكامل لديهما الكثير مما يمكن أن يقدمانه لمنطقة الشرق الأوسط. غير إن هناك عدة أمور تتشابه فيها الإمارات وألمانيا، فكلاهما يراهن على الابتكار والتعاون. ومن المثير أن نرى كيف تتعامل ألمانيا مع ماضيها، وهي عملاق اقتصادي ودولة ذات دور محوري في أوروبا. كما إن الشرق الأوسط هو الجار المباشر لأوروبا، ولهذا يمكن أن يكون لألمانيا تأثير إيجابي، وسيساعد على مكافحة أسباب الهجرة. إننا نرى في ألمانيا لاعباً مهماً جداً في منطقتنا، ونموذج إيجابي يحتذى به في كثير من المجالات.